أخيرا دخل صديقي إلى وحدة العناية المركزة لعلاج الحالات الحرجة نهاية الأسبوع الأول من رمضان، فنبهني بين ضحك وغضب إلى جانب مما شهد وعاش:
ـ بجواره سرير لرجل ستيني في جلبابه البلدي. وسمع الطبيب الشاب يسأله : "عندك سكر يا حاج ؟"، فأجاب:" ولا شاي ولا زيت". لكن أحدا في قاعة الرعاية المركزة لم يضحك ولم يعلق.
ـ صاح "التمرجي"عامل النظافة ضخم الجثة مفتول العضلات موبخا المريض المسن بعدما ساعده على التبرز، وهو ملازم للسرير:" وكمان جاي وممعكش ورق". وران صمت القهر على الغرفة، تماما كما يتصادف توقف شاشات التلفزيون في المقاهي مع البحث عن قنوات الأغاني والرياضة لوهلة عند خطاب "الأخ الأكبر"، ويتسرب لروادها بضع كلمات منه. صمت المرضى الستة على أسرة الطوارئ المقيدين بعدم الحركة نهائيا خشية النزف المميت جراء عمليات قسطرة القلب. لكن بدا لصديقي وكأن جميعهم يعلمون بأن "التمرجي" يبتز ضحيته المسكين الآن ليدفع له. وكما فعل معهم من قبل في مواقف مختلفة. الجميع صمت قهرا، لكنهم كانوا يلعنونه في السر.
وعجايب!
------------------------
بقلم: كارم يحيى
